الله
موجود بلا مكان
اعداد
: الشيخ سليم علوان
ان
الله سبحانه وتعالى غني عن العالمين اي مستغن عن كل ما سواه ازلا وابدا ويكفى فى
تنزيه الله عن المكان والحيز والجهة قوله تعالى : ( ليس كمثله شيء) [سورة
الشورى:11] فلو كان لله مكان لكان له ابعاد اي لكان له طول وعرض وعمق ومن كان كذلك
كان محدثا اي مخلوقا محتاجا لمن حده بهذا الطول وبهذا العرض وبهذا العمق والمحتاج
لا يكون الها. هذا هو الدليل من القرآن. اما الدليل من الحديث فقوله صلى الله عليه
وسلم "كان الله ولم يكن شيء غيره" رواه البخاري والبيهقي وابن الجارود
بالإسناد الصحيح. ومعناه ان الله لم يزل موجودا فى الأزل ليس معه غيره لا ماء ولا
هواء ولا ارض ولا سماء ولا كرسي ولا عرش ولا انس ولا جن ولا ملائكة ولا زمان ولا
مكان فهو تعالى موجود قبل المكان بلا مكان وهو الذي خلق المكان فليس بحاجة اليه.
هذا مما يستفاد من الحديث المذكور.
يقول الإمام
البيهقي فى كتابه الأسماء والصفات: استدل بعض اصحابنا فى نفي المكان عنه بقول
النبي "انت الظاهر فليس فوقك شيء وانت الباطن فليس دونك شيء واذا لم يكن فوقه
شيء ولا دونه شيء لم يكن فى مكان.
وقد قال سيدنا علي بن ابي طالب رضى الله
عنه " كان الله ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان" رواه عنه الإمام ابو
منصور البغدادي. فكما صح وجود الله تعالى بلا مكان وجهة قبل خلق الأماكن والجهات
كذلك يصح وجوده بعد خلق الأماكن بلا مكان وجهة وهذا لا يكون نفيا لوجوده تعالى
قال الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن
علي بن أبي طالب فى الصحيفة السجادية المنقولة بإسناد متصل متسلسل اليه بطريق اهل
البيت "لا يحويه مكان" وقال الغزالي: إن الله منزه عن المكان وجميع
الأمكنة.
وقال الإمام علي بن ابي طالب رضى الله عنه
"ان الله خلق العرش اظهارا لقدرته ولم يتخذه مكانا لذاته" رواه عنه
الإمام ابو منصور البغدادي. ونرفع الأيدي فى الدعاء الى السماء لأنها مهبط الرحمات والبركات وليس لأن الله
موجود بذاته فى السماء كما اننا نستقبل الكعبة الشريفة فى الصلاة لأن الله تعالى
امرنا بذلك وليس لأن الله ساكن فيها وليس المقصود بالمعراج وصول الرسول الى مكان
ينتهى وجود الله اليه انما القصد من المعراج تشريف الرسول باطلاعه على عجائب فى
العالم العلوي وتعظيم مكانته
فمن يعتقد بأن الله موجود بذاته فى الجنة التي
هي فوق السموات السبع او انه فوق العرش يلامسه او فوقه بالمسافة او اعتقد انه
بذاته فى السماء او فى مكان ما مجهول او معلوم فإنه كافر بربه ليس بمسلم ولا مؤمن
وان زعم انه مسلم مؤمن اذ انه من المعلوم القطعي ان الشخص لا يكون مسلما لمجرد ظنه
بنفسه انه مسلم بل لابد ان يخلو قلبه عن كل اعتقاد فيه نسبة النقص اليه سبحانه
وتعالى ولا يعذر فى هذا الجاهل لجهله، اذ ان نسبة الجهة والمكان لله تعالى تنقيص
لله وتشبيه له بخلقه فالجاهل الذي يزعم انه يعبد الله وهو يعتقد بأن الله موجود
بذاته فى جهة من الجهات الست او فى مكان ما فهو يعبد مخلوقا من حيث لا يشعر اذ لو
كان يعبد الله حقا لنزّهه عن الجهة وعن المكان.
قال الإمام ذو النون المصري "مهما
تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك" وقال الإمام ابو جعفر الطحاوي فى العقيدة
الطحاوية "لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات" اي انه لا تحوى الله
تعالى الجهات الست لان هذا حال المخلوقات فالحاصل أن من زعم ان الله يسكن فى مكان
فقد جعل الله جسما اي شيئا له طول وعرض وعمق. قال إمامنا الأكبر ابو الحسن الأشعري
فى كتابه النوادر " من اعتقد ان الله جسم فهو غير عارف بربه وانه كافر به
ولقد قرأ بعض الناس قول الله تعالى
(الرحمن على العرش استوى) فتوهموا بأن المعنى ان الله جالس على العرش فكفروا وهم
لا يدرون لأنهم جعلوا لله مكانا واثبتوا لله المشابهة لخلقه.
والتفسير الموافق للشرع والعقل واللغة
لقوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى) ان يقال الرحمن قهر العرش لأن القهر صفة
كمال لله تعالى هو وصف نفسه به قال تعالى : ( قل الله خالق كل شيء وهو الواحد
القهار) وليس من مانع لغوي او شرعي يمنع تأويل الإستواء بالقهر قال القشيري فى
التذكرة الشرقية قوله "على العرش استوى" قهر وحفظ وابقى.
الا ان العلماء اجازوا استعمال عبارة
"الله فى السماء" ان كان قصد قائلها ان الله على القدر وهو اعلى من كل
شيء قدرا ومنزلة. اما من يستعمله على معنى ان الله ساكن فى السماء او متحيز فى
السماء فهذا كفر والعياذ بالله.
واما ما فى صحيح مسلم من ان رجلا جاء الى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن جارية له قال: قلت يا رسول الله افلا
اعتقها قال : ائتني بها فأتاه بها فقال لها : اين الله قالت : فى السماء، قال: من
انا. قالت: انت رسول الله، قال: اعتقها فإنها مؤمنة. فمعناه ان الرسول يسألها عن
مكانة الله لا عن المكان لأنه يعلم ان الله موجود بلا مكان فأجابته بما يعني ان
الله عالي القدر جدا.
ولقد افترى بعض الجهلة على الإمام أبي
حنيفة فنسبوا اليه القول بإثبات المكان ااه وهو مردود على من افترى وادعى وكيف
يصدق هذا وهو الإمام الجليل الذي قال فى الفقه الأكبر: وليس قرب الله تعالى من
طريق المسافة ولكن على معنى الكرامة والمطيع قريب منه تعالى بلا كيف والعاصي بعيد
عنه بلا كيف
فبعد هذا البيان وضح ان دعوى اثبات المكان
لله تعالى أخذا من كلام ابي حنيفة افتراء عليه وتقويل عليه ما لم يقل. وكذلك ما
نقله البيجوري عن الإمام الغزالي انه قال عن الله تعالى: فهو فوق الفوق ليس له فوق
وهو فى كل النواحي لا يزول فإن هذا القول غير ثابت عن الغزالي وليس موجودا فى كتبه
بل الموجود فى كتبه تنزيه الله عن المكان وعن الجهات الست وهي فوق وتحت وامام وخلف
ويمين و يسار.
وقد قال الإمام ابو جعفر الطحاوي "ومن
وصف الله بمعنى من معانى البشر فقد كفر والإستقرار والجلوس على عرش او كرسي
والتحيز والسكنى فى مكان من صفات البشر. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
Tidak ada komentar:
Posting Komentar